الماحي صلى الله عليه وسلم

“إننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد. وسوف لا يتقدم عليه أحد وقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى للإنسان فوجدته في النبي العربي محمد صلى الله عليه. إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد النبي الذي وضع دينه دائمًا موضع الاحترام والإجلال. فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالدًا خلود الأبد. وإني أرى كثيرًا من بنى قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة أوروبا» . يوهان غوته

تحت قصف الـ F-16 والسوخوي سو-57، حيث ﴿ ابتُلِيَ المُؤمِنونَ وَزُلزِلوا زِلزالًا شَديدًا﴾، وأوذوا ﴿أبِأَلسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الخَيرِ﴾، يولد بإذن الله جيل التمكين، جيل:﴿لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا۝وَلَمّا رَأَى المُؤمِنونَ الأَحزابَ قالوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسولُهُ وَما زادَهُم إِلّا إيمانًا وَتَسليمًا﴾،فلا شك أن لهذا المخاض ما بعده، فإن من سنة الله في أرضه أن لا يمكن حتى يبتلي: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدونَني لا يُشرِكونَ بي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ﴾. سأل رجل الشافعي رحمه الله فقال: “يا أبا عبد الله، أيهما أفضل للرجل: أن يمكن أو أن يبتلى؟” فقال الشافعي: “لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلى الله عليه وسلم، فلما صبروا مكنهم. فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة”.

Vous avez bien souffert, mais vous verrez l’aurore .¹ فقد عانيتم شديدًا، لكنكمّ ستشاهدون الفجر ينبلج.

Après la froide nuit, vous verrez l’aube éclore; بعد الليل المظلم، سترون الفجر ينفلق.

بهذه الأبيات مدح Victor Hugo أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في قصيدة طويلة رائعة رثى فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ومن أبياتها، يذكر ربط النبي عليه الصلاة والسلام الحجر على بطنه يوم الخندق:

Sa bouche était toujours en train d’une prière; دوما يجري على لسانه ذكر الله.

Il mangeait peu, serrant sur son ventre une pierre; قليل الأكل، يربط حجرًا على بطنه.

روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عَنْ جَابِرٍ قَالَ:” لَمَّا حَفَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ الْخَنْدَقَ أَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ، حَتَّى رَبَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا مِنَ الْجُوعِ “²، في هذا اليوم المبارك من أيام الله، حيث كان المؤمنون قلة لا يتجاوزون 3000، وحيث اجتمعت عليهم قوى الشر من كل حدب وصوب وفاق عددهم 10000، وحيث قلة السلاح والزاد، وبينما جيش الإيمان يحفر الخندق³، إذ عرضت لهم صخرة صلبة، فاشتكوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول، وفي ذلك دليل على أن قادتنا رجال وكانوا دائمًا في الصفوف الأولى يخوضون المعارك و الصعاب⁴. فقال صلى الله عليه وسلم: “بسم الله”، فضرب ضربة فكسر ثلثها، ثم قال: “الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة”. ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر، فقال: “الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض”. ثم ضرب الثالثة وقال: “بسم الله” فقطع بقية الحجر، فقال: “الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة”.⁵

لقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في السنة الخامسة من الهجرة ، أي قبل وفاته ببضع سنين، حيث كان عدد أصحابه لا يتجاوز بضعة الاف، بشرهم بفتح الروم وفارس والشام والعراق، حيث كانت فارس تملك جيشًا يفوق المليونين وإمبراطورية عمرها يتجاوز 1200 سنة. ففتحت فارس بدءًا من القادسية سنة 15 هـ بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وانتهاءً بموقعة نهاوند عام 20 هـ بقيادة النعمان بن مقرن رضي الله عنه، فلم يكن بين البشارة والفتح إلا 15 سنة. أليس هذا إعجاز أغرب من الخيال؟

أما فتح الشام فكان في 14 هـ، ولم يكن بينه وبين البشارة إلا تسع سنوات، بعد أن جعل أبو بكر رضي الله عنه أربعة جيوش لتحرير الشام، فجعل ليزيد بن أبي سفيان دمشق، ولشرحبيل بن حسنة الأردن، ولأبي عبيدة بن الجراح حمص، ولعمرو بن العاص فلسطين. ولم تمضِ إلا بضع سنين حتى فتح المسلمون أذربيجان وأرمينيا سنة 22 هـ، حيث وصل أهل الصحراء بعد أن كانوا في جاهلية جهلاء لينشروا نور الله فوق الثلوج البيضاء،﴿ذلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ﴾

قال رسول الل صلى الله عليه وسلم “لِي خَمْسَةُ أسْماءٍ: أنا مُحَمَّدٌ، وأَحْمَدُ، وأنا الماحِي الذي يَمْحُو اللَّهُ بي الكُفْرَ، وأنا الحاشِرُ الذي يُحْشَرُ النَّاسُ علَى قَدَمِي، وأنا العاقِبُ.”⁶

لقد مات الماحي عليه الصلاة والسلام قبل أن يرى هذه الفتوحات العظيمة، لكنه كان موقنًا بأن رسالته ستمحوا كل كفر وستبلغ كل قطر، لأنه أيقن بصحة المنهج وبصفاء المنبع، وبثمار التربية الربانية على العمل والجهاد وإقامة الحق والعدل بين العباد. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «فالماحي: الذي محا الله به الكفر. ولم يُمحَ الكفر بأحد من الخلق ما مُحِي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بُعِث وأهلُ الأرض كلُّهم كفار إلا بقايا من أهل الأرض، وهم ما بين عُبَّاد أوثان، ويهود مغضوب عليهم، ونصارى ضالين، وصابئة دهرية لا يعرفون ربًّا ولا معادًا، وبين عُبَّاد الكواكب، وعُبَّاد النار، وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء، ولا يُقرُّون بها؛ فمحا الله سبحانه برسوله ذلك حتى ظهر دينُ الله على كلِّ دين، وبلغ دينُه ما بلغ الليل والنهار، وسارت دعوته مسيرَ الشمس في الأقطار.»⁷

صلاة وتسليم وروح ورواحة … على الصادق المصدوق ما انفلق الحب أبي القاسم ‌الماحي الأباطيل كلها … وأصحابه الأخيار ساداتنا النجب ⁸

إن من اعظم دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إخباره بعدة أمور مستقبلية أكد الواقع والتاريخ حدوثها ولم تخطئ منها واحده حيث يستحيل ان تكون بمجموعها صدفا أو تكهنات أو حماقات بل نورا ووحيا من الله ﴿نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمينُ۝عَلى قَلبِكَ لِتَكونَ مِنَ المُنذِرينَ۝بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبينٍ﴾. ومن بين هذه الأمور المستقبلية إخباره عليه الصلاة والسلام بالمراحل والأطوار الإنتقاليه والأحداث البارزة والملاحم الكبرى من البعثة الى نهاية الزمان. قَالَ حُذَيْفَةُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ‌ثُمَّ ‌تَكُونُ ‌خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ‌ثُمَّ ‌تَكُونُ ‌خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ” . ثُمَّ سَكَتَ.» ⁹ وقال عليه الصلاه والسلام: «لَيُنْقَضَنَّ ‌عُرَى ‌الإِسْلَامِ ‌عُرْوَةً ‌عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِى تَلِيهَا وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ.»¹⁰ و قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ” الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ‌ثَلَاثُونَ ‌سَنَةً، ثُمَّ مُلْكًا بَعْدَ ذَلِكَ “¹⁰. إن هذه الأحاديث ومثيلاتها لمن أعظم دلائل صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم , حيث ذكر أول نقص يدخل على الأمة وهو في الحكم “أَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ” حيث انتقلت الأمة من الخلافة الى الملك ومن الشورى إلى الوراثة في الملك العاض, ثم إلى فتن الجبرية الصلعاء كما جاء في بعض روايات الحديث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ خِلَافَةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ مُلْكًا عَضُوضًا» وَقَالَ أَحَدُهُمَا: «عَاضٌّ وَفِيهِ رَحْمَةٌ، ثُمَّ جَبَرُوتٌ ‌صَلْعَاءُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا مُتَعَلَّقٌ، تُضْرَبُ فِيهَا الرِّقَابُ، وَتُقْطَعُ فِيهَا الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ، وَتُؤْخَذُ فِيهَا الْأَمْوَالُ»¹¹

قال ابن قتيبة: «‌الصلعاء يُرِيد الصَّحرَاء الَّتِي لَا نبت فِيهَا مثل الرَّأْس الأصلع»¹² وهناك روايات أخرى تزيد الأمر وضوحا ونورا وتجعل المؤمن موقنا مطمئنا منضرا وجهه، فكيف لمن يحمل هذا العلم الرباني في صدره ان يتيه أو يسود وجهه او تنغص حياته وصدق ربي حين أمر رسوله عليه الصلاة والسلام فقال :﴿ وَقُل رَبِّ زِدني عِلمًا﴾، ف«كمالُ العبدِ بحسب هاتين القوتين: ‌العلم ‌والحبِّ، وأفضلُ العلم العلمُ بالله، وأعلى الحبِّ الحبُّ له، وأكملُ اللَّذَّةِ بحَسَبهما.والله المستعان»¹³ وبعد هذا الاستطراد نعود إلى الكلام عن بعض ما جاء في روايات الحديث الذي كنا بصدده، فجاء في «المعجم الكبير للطبراني» (11/ 88): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ ‌تَكادُمَ ‌الْحُمُرِ فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ»¹⁴، والتكادم قال الخليل في “العين”: «‌الكَدْم: ‌العض ‌بأدنى ‌الفم، ككدم الحمار. والدواب تُكادِمُ الحشيش، إذا لم تستمكن منه.»¹⁵ وهذا بالضبط ما رأيناه بأعيننا ولا زلنا نعيشه في بلداننا. فقد اعتبر غير واحد من الباحثين أن سقوط الدولة العثمانية والتحول إلى الدول “السايكس-بيكوية” هو لحظة التحول إلى الجبرية الصلعاء الخالية من الخير خلو الرأس من الشعر التي يتكادمون فيها تكادم الحمر، وما سقوط الحمار بشار عنا ببعيد، فما تركها حتى كدمها كدم الحمار للحشيش، وقتل أهلها وسجن أبناءها واغتصب نساءها وما خفي من جرائمه أعظم مما ظهر فاللهم كما أسقطته فعجل بسقوط المجرمين حيثما كانوا ومكن لعبادك الصالحين يا ارحم الراحمين. إن الذي يمنع الامه من النجاح لا قله الثروات ولا الكفاءات الذي يمنعها هو وجود هذه الانظمة الجبريه حصرا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن خير جهادكم (في هذه المرحلة) الرباط، وأفضل رباطكم عسقلان”. وعسقلان مدينة قريبة من غزة، وكانت غزة تابعة لها قبل الغزو الصليبي، وكانت تسمى “غزة عسقلان” و هي ثغر من أهم ثغور المسلمين على مر العصور و الأزمان. والشاهد من ذكر الحديث هو إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بفضل الجهاد في هذا الثغر بتحديد زمني دقيق وهو زمان الحكم الجبري. وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يخبرنا بمفتاح الخلاص من الجبرية الصلعاء، وصدق من قال أن غزة ستفضح كل المنافقين. إن السابع من أكتوبر يوم من أيام الله، وإن طوفان الأقصى حالة سننية ومرحلة أساسية في حركة الأمة المستضعفة نحو التمكين، ولا شك أن للتمكين ضريبة فرحم الله من كتب سطور الفجر الجديد بلحمه ودمه وصبر وثبت وخطط وصمد حتى أركع العدو في ملحمة أسطورية، فجزاهم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين، ونسأل الله لنا ولهم تمام النعمة والعفو والعافية في الدنيا والآخرة. إن طوفان الأقصى هي نقطة الإنعطاف الحضاري الكبرى، التي غيرت منحى التاريخ وغيرت معادلات المنطقة ولا ريب أن تداعياتها ومخرجاتها ستغير خريطة العالم مع مرور الزمن. قد يحتاج تفسير هذا الأخير إلى صفحات طويلة لكن يكفي أن نفهم سنن الله في كونه حتى نتصور ذلك تصورا صحيحا، “وفي ظل كل هذه المصائب يحتاج المؤمن أن ينتقل من ضيق الأزمة إلى سعة الحكمة، ومن حدود الظرف الزمني الضيق إلى فضاء السياق التاريخي الواسع، وهذا يتحقق بالوعي بالسنن الإلهية، وذلك لأن المرء حين لا يرى إلا مشكلات زمانه فقد يصاب باليأس والإحباط، بينما إذا لاحظ سنة الله في الأمم والمجتمعات، فأبصر عظيم الابتلاءات التي قدرها سبحانه على الأنبياء والرسل، ثم رأى نصر الله لهم بعد طول البلاء، ورأى إهلاكه لأعدائهم بعد الإمهال والاستدراج، ثم قرأ بيان الله سبحانه بعد ذلك بأن ما فعله بأولئك المجرمين ليس خاصاً بهم ولا متعلقاً بأعيانهم، بل هو عام مرتبط بالصفات التي كانوا عليها، وأنه سبحانه سيفعل بالمتأخرين فعله بالمتقدمين المشابهين لهم، كما قال سبحانه: أَكْفَارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَيْكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ في الزير ﴾ [سورة القمر:٤٣]، وأن تأييده سبحانه لأنبيائه وأوليائه ليس خاصاً بمن سمى منهم، بل إنه سيؤيد – سبحانه – حملة دينه وأنصار ملته على مر الأزمان كما أيد الأولين : ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الروم : ٤٧] ، فهكذا ينتقل المؤمن من ضيق الأزمة إلى سعة الحكمة.”¹⁶

إن فتح الشام هو فتح عظيم قد من الله به علينا،حيث جدد الأمل فينا رغم ما فيه من تحديات عظمى وما يحتاجه من عمل دؤوب، إن هذا الفتح لهو من ثمار الطوفان العظيم، وإن المتدبر في تاريخ الامة يعلم جيدا خريطه التحرير ومنهج التغيير فان رجال محمد صلى الله عليه وسلم بحنكتهم وذكائهم الذي حفظه التاريخ فتحوا دمشقا 14ه قبل فتح بيت المقدس 16ه، قد يبدوا هذا غريبا خاصة إذا علمنا توفر القدرة لديهم ومكانة البيت المقدس التي لم تفارقهم من أول لحظة الإسلام حتى قبل الإسراء والمعراج، وإنا إذا خيرنا المسلمين اليوم بين فتح الشام أو القدس فإن أغلبهم سيقدم بيت المقدس، لكن الحكمة أثبتت ان فتح العواصم السياسيه يكون اولا قبل فتح العواصم الدينيه فأخذوا القوه السياسية من يد الرومان في عاصمتهم دمشق ثم اتجهوا الى بيت المقدس فاللهم اجعل هته الأحداث التي تمر بها أمتنا فاتحة خير لأمر عظيم بإذن الله. قال صلى الله عليه وسلم “ثم تكون خلافه على منهاج النبوة ثم سكت” لقد بشر الماحي عليه الصلاه والسلام انه ليس بعد الجبرية الا خلافة على منهاج النبوة، فنسال الله ان يطيل الأعمار حتى نشهدها والأهم من ذلك ان نكون من جند الله المستعملين بسنه الله في إقامة دينه وتحكيم شرعه ونشر سنة نبيه ومدافعة الباطل واهله.

إن حركه الدعوة في اول الاسلام سبقت حركه الدولة، وإن التاريخ يعيد نفسه فخير ما يمكن ان نستقبل به المرحله القادمه للامة تكوين الدعاة والخب والكوادر وجعلهم في مستوى التحديات بمختلف أشكالها كل على حسب طاقاته وميولاته فأبواب الخير كثيرة لاحصر لها . عن المقداد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز وذل ذليل،إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فيدينون لها، قلت: فيكون الدين كله لله”¹⁷ رواه أحمد. قال المباركفوري : «وقيل: في آخر الزمان، أي حين ينْزل عيسى عليه السلام من السماء ويقتل الدجال، لا يبقى على وجه الأرض محل الكفر، بل جميع الخلائق يصيرون مسلمين إما بالطوع والرغبة ظاهراً وباطناً، وإما بالإكراه والجبر، وإذا كان كذلك فيكون الدين كله لله، يشير إليه ما رواه مسلم عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقلت: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله عزوجل: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق … } الآية، أن ذلك تام. قال: إن سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث ريحاً طيبة فيتوفى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم)) ، ويدل له حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام)) (رواه أحمد)»¹⁸

فحكم الاسلام للأرض عائد وانتشار الدعوة في الأقطار متحقق بشكل لم يكن له مثيل ولا نظير من قبل، وسيشهد العالم بأسره أثرا عظيما ومدهشا من اسمه الماحي عليه الصلاه والسلام قال القاضي عياض رحمه الله: «وَأَمَّا قَوْله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ‌الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّه بِيَ الْكُفْرَ فَفُسّرَ فِي الْحَدِيثَ وَيَكُونُ مَحْوُ الْكُفْرِ إِمَّا من مَكَّةَ وَبِلَادِ الْعَرَبِ وَمَا زُوِيَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَوُعِدَ أنه يَبْلُغُهُ مُلْكُ أُمَّتِهِ أَوْ يَكُون الْمَحْوُ عَامًّا بِمَعْنَى الظُّهُورِ وَالْغَلَبةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (لِيُظْهِرَهُ على الدين كله) وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثَ أنَّهُ الَّذِي مُحِيَتْ بِهِ سَيّئَاتُ مِنَ اتْبَعَهُ»¹⁹

وبعد الوعد الرباني والبشرى النبوية لا ضير أن نستأنس بما ورد في التوراة من البشارات وما ذكره الغربيون أنفسهم ببلوغ هذا الدين العظيم ونكتفي هنا بنصين اثنين :

ورد في إشعياء 42/1-21 قوله: الإصْحَاحُ الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ 1*«هُوَ ذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ،* مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ». 5**هكَذَا يَقُولُ اللهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا: 6«أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، 7لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. 8**«أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ.²⁰

ويقول جورج برنارد شو (1856– 1950): وليس فيما أعرف من الأديان نظام اجتماعي صالح كالنظام الذى يقوم على القوانين والتعاليم الإسلامية، فالإسلام هو الدين الوحيد الذى يبدو لي أن له طاقةً هائلةً لملائمة أوجه الحياة المتغيرة، وهو صالح لكل العصور. لو تولى العالم الحديث رجل مثل محمد لنجح في حل مشاكله وجلب له السلام والسعادة المطلوبان بشدة. لقد درست عن الرجل، وبرأيي إنه أبعد ما يكون عدوا للمسيح، بل يجب أن يسمى بمنقذ البشرية. لقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولا عند أوروبا غدا كما بدأ يكون مقبولا عند أوروبا اليوم.»²¹

إن المسلمين في فترة الخلافة الراشدة في آخر الزمان سيبنون حضارة لم يشهد التاريخ مثلها، وتقدما ليس كتقدم الغرب بالاستئثار والدمار بل عدلا ورحمة، ويكون ذلك من بداية فترة الخلافة الى نهايتها مع المهدي وتكون ذروة تقدمها في زمن المهدي وهو آخر خلفاء المسلمين في آخر الزمن كما حقق ذلك الألباني وعمر الأشقر والدكتور حاتم عبد العظيم. قال صلى الله عليه وسلم :”يخرُجُ في آخِرِ أُمَّتي المَهدِيُّ، يَسْقيه اللهُ الغَيْثَ، وتُخرِجُ الأرضُ نباتَها، ويُعطي المالَ صِحاحًا، وتكثُرُ الماشيةُ، وتعظُمُ الأُمَّةُ، يعيشُ سبعًا، أو ثمانيًا”.²²

وقد اختلف أهل العلم في عدد خلفاء آخر الزمان، وهل المهدي أولهم أو آخرهم فذهب ابن الجوزي رحمه الله الى انهم 12 في اخر الزمان وذهب آخرون إلى انهم 12 بمجموعهم على مر الزمان وتقديراتهم مختلفه وجمعا بين الاقوال” فان خلفاء اخر الزمان ليسوا اقل من سته ولا أكثر من 12″ ²³ وأما عن المهدي فيكون آخرهم فثمة هناك اعتراض وهو قوله صلى الله عليه وسلم “يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا” أجاب عنه الدكتور عبد العظيم أنه يملأ الأرض كلها بعد الملحمه الكبيره مع الروم والخلفاء الذين يكونون قبله يملأون أرض الاسلام فقط. ثم بعد ذلك يجن جنون الدجال اعاذنا الله من فتنته بعد أن يرى حكم الإسلام للعالم، فيخرج ثم ينزل السيد المسيح عليه السلام بنبوة تابعه لنبوه محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنه يضع الجزيه ويعمل السيف ويكسر الصليب ويبطل أكل الخنزير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”طُوبَى لعيشٍ بعْدَ المسيحِ يؤذَنُ للسماءِ في القُطْرِ ، ويؤذَنُ للأرْضِ في النباتِ ، حتى لو بذرْتَ حَبَّكَ على الصفَا لنَبَتَ . وحتَّى يَمُرَّ الرجلُ على الأسَدِ فلا يضرُّهُ ، ويطَأَ على الحيَّةِ فلا تضرُّهُ . ولا تَشَاحَّ ، ولا تحاسُدَ ، ولا تباغُضَ”²⁴، ثم تأتي الريح الطيبة تأخذ كل نفس مؤمنة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق. لقد وعدنا بوش بحرب صليبية شعواء، راح ضحيتها أزيد من 200 مليون قتيل وملايين الجرحى والأسرى والمشردين عبر العالم، ووعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصر والتمكين والغلبه لهذا الدين وسنرى أي الوعدين أصدق أوعد المجرمين أم وعد سيد المرسلين؟!

زعمت سخينة ان ستغلب ربها وليغلبن مغالب الغلاب

الاسلام قادم

1.فيكتور هوجو من أعظم أدباء وشعراء وكتاب وروائيي فرنسا على الإطلاق، ولد في عام 1802 وهو صاحب رواية Notre-Dame de Paris أحــدب نوتــردام الشـــهيرة وصاحب الرواية الأشــــــهر Les Misérables البؤســــاء. نظم في عام 1858، وهو في قمة مجده الأدبي، قصيدة طويلة ورائعة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، سمَّاها “العام التاسع للهجرة”. 2.مسند أحمد (22/ 129 ط الرسالة) قال المحقق: إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أيمن المكي والد عبد الواحد، فمن رجال البخاري. 3.بلغ طول الخندق 5544 مترا ومتوسط عرضه 4.62 مترا ومتوسط عمقه 3.23 مترا واختلفوا في مدة حفره فقال ابن عقبة 20 يوما وقال الواقدي 24 و قال النووي 15 وقال ابن سعد 6 أيام وأيا كان عدد الأيام فقد ظهر في حفر هذا الخندق معان إيمانية يقف اللسان عند وصفها وظهر فيها من تفاني الجيل الأول وحبهم لله ورسوله الشيء العظيم. 4.رحم الله أبا إبراهيم يحيى السنوار الذي مات مقبلا غير مدبر في معركة طوفان الأقصى المجيدة وألحقه الله بنبينا الضحوك القتال عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. 5.أخرجه النسائي واللفظ له، وأبو داود، وأحمد وصححه الألباني. 6.رواه البخاري. 7.زاد المعاد ط عطاءات العلم (1/ 82). 8.بحر الدموع، ابن الجوزي (ص11). 9.مسند أحمد (30/ 355 ط الرسالة). 10.المسند الجامع (7/ 472). 11.الفتن لنعيم بن حماد (1/ 98). 12.غريب الحديث – ابن قتيبة (1/ 618). 13.الفوائد لابن القيم (1/ 74). 14.«المعجم الكبير للطبراني» (11/ 88). رواه الطبراني قال الهيثمي ورجاله ثقات وذكره الالباني في السلسلسلة الصحيحة. 15.«العين» (5/ 334). 16.السنن الالهية وأثرها في فهم الواقع والعَمَل الإصلاحي ص9. 17.مسند أحمد (16957 ط الرسالة) قال الألباني في تحذير الساجد :على شرط مسلم. 18.مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 114) 19.الشفا بتعريف حقوق المصطفى – وحاشية الشمني» (1/ 231). 20.سفر إشعياء 42/1-21، الكتاب المقدس. 21.جو برنارد شو في مقال بعنوان “الإسلام الحقيقي”. 22.تخريج سنن أبي داوود، قال شعيب الأرناؤوط إسناده صحيح. 23.الدكتور حاتم عبد العظيم اسم المحاضرة “حكم الإسلام للأرض بدأ “. 24.الجامع الصحيح للألباني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *